سورة الصافات - تفسير تفسير أبي السعود

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الصافات)


        


{قَالَ قَائِلٌ مّنْهُمْ} في تضاعيف محاوراتهم {إِنّى كَانَ لِى} في الدُّنيا {قَرِينٌ} مصاحب {يِقُولُ} لي على طريقة التَّوبيخِ بما كنت عليه من الإيمان والتَّصديقِ بالبعث {أَءنَّكَ لَمِنَ المصدقين} أي بالبعث. وقرئ بتشديدِ الصَّادِ من التَّصدُّقِ، والأوَّلُ هو الأوفقُ لقولهِ تعالى: {أَءذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وعظاما أَءنَّا لَمَدِينُونَ} أي لمبعوثون ومجزيُّون من الدِّينِ بمعنى الجزاء أو لمسوسُون يقال دانَه أي ساسَه، ومنه الحديثُ: «العاقلُ من دانَ نفسَه» وقيل كان رجلٌ تصدَّقَ بماله لوجه الله تعالى فاحتاج فاستجدَى بعضَ إخوانهِ فقال: أين مالكُ، قال: تصدَّقتُ به ليعوضني الله تعالى في الآخرةِ خيراً منه فقال: أئنَّك لمن المُصدِّقين بيوم الدِّينِ، أو المتصدِّقين لطلب الثَّوابِ والله لا أُعطيك شيئاً فيكون التَّعرُّضُ لذكر موتهم وكونِهم تُراباً وعظاماً حينئذٍ لتأكيدِ إنكار الجزاءِ المبني على إنكارِ البعث {قَالَ} أي ذلك القائلُ بعدما حكى لجلسائه مقالَ قرينهِ في الدُّنيا {هَلْ أَنتُمْ مُّطَّلِعُونَ} أي إلى أهل النَّارِ لأريكم ذلك القرينَ يريد بذلك بيانَ صدقهِ فيما حكاه وقيل القائلُ هو اللَّهُ تعالى أو بعضُ الملائكة يقول لهم هل تُحبُّون أنْ تطَّلعوا على أهل النَّارِ لأريكم ذلك القرينَ فتعلموا أين منزلتُكم من منزلتهم قيل إنَّ في الجنَّة كُوى ينظر منها أهلُها إلى أهل النَّارِ {فَأَطَّلِعَ} أي عليهم {فَرَءاهُ} أي قرينَه {فِى سَوَاء الجحيم} أي في وسطها. وقرئ: {فأطَّلِعَ} على لفظ المضارع المنصوبِ. وقرئ: {مُطَّلعون فأطَّلع} وفأطْلُعَ بالتَّخفيف على لفظ الماضي والمضارعِ المنصوبِ يقال طلعَ علينا فلانٌ وأطَّلع وبمعنى واحد والمعنى هل أنتُم مطَّلعون إلى القرين فأطَّلع أنا أيضاً أو عوضَ عليهم الاطِّلاعَ فقبلوا ما عرضَه فاطَّلع هو بعد ذلك وإن جُعل الاطِّلاعُ متعدِّياً فالمعنى أنَّه لما شرط في إطِّلاعه إطِّلاعهم كما هو ديدن الجُلساءِ فكأنَّهم مُطْلِعُوه، وقيل الخطاب على هذا للملائكةِ. وقرئ: {مُطَّلعونِ} بكسر النُّونِ أراده مطلعونَ إيَّاي فوضع المتَّصلَ موضع المنفصلِ، كقوله:
هم الفاعلونَ الخيرَ والآمرونه ***
أو شُبِّه اسمُ الفاعل بالمضارع لما بينهما من التَّآخِي.
{قَالَ} أي القائلُ مخاطباً لقرينهِ {تالله إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ} أي لتُهلكني بالإغواءِ. وقرئ: {لتُغوينِ} والتَّاءُ فيه معنى التَّعجُّبِ وإنْ هي المخففةُ من أنَّ وضميرُ الشَّأنِ الذي هو اسمُها محذوفٌ واللاَّمُ فارقةٌ أي تاللَّهِ إنَّ الشَّأنَ كدت لتردينِ.


{وَلَوْلاَ نِعْمَةُ رَبّى} بالهدايةِ والعصمة {لَكُنتُ مِنَ المحضرين} أي من الذين أُحضروا العذابَ كما أُحضِرْته أنتَ وأضرابُك وقوله تعالى: {أَفَمَا نَحْنُ بِمَيّتِينَ} رجوع إلى محاورةِ جلسائه بعد إتمامِ الكلام مع قرينه تبجُّحاً وابتهاجاً بما أتاحَ الله عزَّ وجلَّ لهم من الفضلِ العظيمِ والنَّعيمِ المقيمِ. والهمزة للتَّقريرِ وفيها معنى التَّعجُّبِ والفاء للعطف على مقدَّرٍ يقتضيه نظمُ الكلام أي أنحنُ مخلَّدون منعَّمون فما نحنُ بميِّتين أي بمن شأنه الموت. وقرئ: {بمائتينَ} {إِلاَّ مَوْتَتَنَا الاولى} التي كانت في الدُّنيا وهي متناولةٌ لما في القبر بعد الإحياء للسُّؤالِ قاله تصديقاً لقوله تعالى: {لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الموت إِلاَّ الموتة الاولى} وقيل إنَّ أهلَ الجنَّةِ أوَّلَ ما دخلُوا الجنَّة لا يعلمون أنَّهم لا يموتون فإذا جِيء بالموت على صُورة كبشٍ أملحَ فذُبح ونُودي يا أهلَ الجنَّةِ خلود فلا موتَ ويا أهلَ النَّارِ خلود فلا موتَ يعلمونه فيقولون ذلك تحدُّثاً بنعمة الله تعالى واغتباطاً بها {وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} كالكُفَّار فإنَّ النَّجاةَ من العذاب أيضاً نعمة جليلة مستوجبة للتَّحدثِ بها {إِنَّ هَذَا} أي الأمرُ العظيم الذي نحن فيه {لَهُوَ الفوز العظيم} وقيل هو من قولُ اللَّهِ عزَّ وجلَّ تقريراً لقولهم وتصديقاً له. وقرئ: {لهو الرِّزقُ العظيم} وهو ما رُزقوه من السَّعادةِ العظمى. {لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ العاملون} أي لنيل هذا المرامِ الجليلِ يجب أنْ يعمل العاملون لا للحظوظِ الدُّنيويَّةِ السَّريعةِ الانصرام المشُوبةِ بفنون الآلام وهذا أيضاً يحتملُ أن يكونَ من كلام ربِّ العزَّةِ {أذلك خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزقوم} أصل النُّزلِ الفضل والرِّيعُ فاستُعير للحاصل من الشَّيءِ فانتصابُه على التَّمييزِ أي أذلك الرِّزقُ المعلومُ الذي حاصلُه اللَّذةُ والسُّرورُ خيرٌ نزلاً أم شجرةُ الزَّقُومِ التي حاصلها الألم والغمُّ. ويقال النُّزل لما يقامُ ويهيَّأُ من الطَّعامِ الحاضر للنَّازلِ فانتصابُه على الحاليَّةِ. والمعنى أنَّ الرِّزقَ المعلوم نزلُ أهل الجنَّةِ، وأهلُ النَّارِ نُزلهم شجرةُ الزَّقُّوم فأيُّهما خيرٌ في كونه نزلاً. والزَّقُّومُ اسم شجرةٍ صغيرةِ الورقِ دَفرةٍ مُرَّةٍ كريهةِ الرَّائحةِ تكون في تِهامة سمِّيتْ به الشَّجرةُ الموصوفةُ.


{إِنَّا جعلناها فِتْنَةً للظالمين} محنةً وعذاباً لهم في الآخرة وابتلاء في الدُّنيا فإنَّهم لمَّا سمعوا أنَّها في النَّار قالوا كيف يمكن ذلك والنَّارُ تحرق الشَّجَر ولم يعلموا أن من قَدَرَ على خلق حيوانٍ يعيش في النَّارِ ويتلذَّذُ بها أقدرُ على خلق الشَّجرِ في النَّار وحفظهِ من الاحتراق.
{إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِى أَصْلِ الجحيم} منبتُها في قعر جهنَّم وأغصانها ترتفعُ إلى دركاتِها. وقرئ: {نابتةٌ في أصل الجحيم} {طَلْعُهَا} أي حملُها الذي يخرج منها مستعارٌ في طلع النَّخلةِ لمشاركته له من الشَّكلِ والطُّلوعِ عن الشَّجرِ. قالوا: أوَّلُ التَّمرِ طَلعٌ ثم خِلالٌ ثم بَلَحٌ ثم رُطَبٌ ثم تمرٌ {كَأَنَّهُ رُءوسُ الشياطين} في تناهي القُبح والهَول. وهو تشبيه بالمخبَّل كتشبيه الفائق في الحُسنِ بالمَلَك. وقيل الشَّياطينُ الحيَّاتُ الهائلةُ القبيحةُ المنظر، لها أعرافٌ وقيل إنَّ شجراً يقال له الأستنُ خشناً مُنتناً مُرًّا منكر الصُّورةِ يسمَّى ثمرُه رؤوسَ الشَّياطينِ {فَإِنَّهُمْ لاَكِلُونَ مِنْهَا} أي من الشَّجرةِ أو من طلعِها فالتَّأنيثُ مكتسب من المضافِ إليه {فَمَالِئُونَ مِنْهَا البطون} لغلبة الجوعِ أو للقسرِ على أكلِها وإنْ كرهوها ليكونَ ذلك باباً من العذابِ.
{ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا} على الشَّجرةِ التي ملأوا منها بطونَهم بعدما شبِعُوا منها وغلبهم العطشُ وطال استسقاؤهم كما يُنبىء عنه كلمة ثُمَّ ويجوز أنْ تكونَ لما في شرابهم من مزيدِ الكراهة والبشاعةِ {لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ} لشراباً من غسَّاقٍ أو صديدٍ مشُوباً بماءٍ حميمٍ يُقطِّع أمعاءهم. وقرئ بالضَّمِّ وهو اسم لما يُشاب به، والأوَّلُ مصدر سُمِّي به {ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ} أي {مصيرَهم}. وقد قرئ كذلك. {لإِلَى الجحيم} لإلى دَرَكاتِها أو إلى نفسها فإنَّ الزَّقُّومَ والحميمَ نزلٌ يقدَّمُ إليهم قبل دخولها وقيل الحميمُ خارجٌ عنها لقوله تعالى: {هذه جَهَنَّمُ التى يُكَذّبُ بِهَا المجرمون يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ ءانٍ} يذهب بهم عن مقارِّهم ومنازلهم في الجحيمِ إلى شجرة الزَّقُّومِ فيأكلون منها إلى أنْ يمتلئُوا ثم يُسقون من الحميم ثم يُردُّون إلى الجحيم. ويُؤيِّده أنَّه قرئ: {ثمَّ إنَّ منقلبَهم}.
{إِنَّهُمْ أَلْفَوْاْ ءابَاءهُمْ ضَالّينَ} تعليل لاستحقاقِهم ما ذُكر من فنون العذاب بتقليد الآباء في الدِّينِ من غير أنْ يكونَ لهم ولا لآبائِهم شيءٌ يتمسَّكُ به أصلاً، أي وجدوهم ضالِّين في نفس الأمر ليس لهم ما يصلُح شبهةً فضلاً عن صلاحيةِ الدَّليلِ.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8